أشعل فوز زهران ممداني، السياسي الديمقراطي الاشتراكي من أصول هندية وأوغندية، برئاسة بلدية نيويورك جدلاً واسعاً داخل الولايات المتحدة وخارجها، إذ اعتبره البعض انتصاراً أخلاقياً ورسالة قوية ضد التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي، بينما وصفه آخرون بأنه تهديد للتيار السياسي التقليدي الذي حكم المدينة لعقود.
دلالة الانتصار الأخلاقي
نقلت الجارديان عن الكاتب مصطفى بيومي قوله إن ما حدث في نيويورك لا يمثل مجرد تحول انتخابي، بل “يقظة أخلاقية” داخل المجتمع الأمريكي. فقد تحدّى ممداني واحدة من أعتى حملات التشويه في تاريخ المدينة، وواجه مليارديرات نافذين، وحاخامات مؤيدين لإسرائيل، وإعلاماً منحازاً، وحتى إدارة البيت الأبيض، لكنه خرج منتصراً.
يرى بيومي أن صعود ممداني لا يمكن فصله عن لحظة الغضب الشعبي تجاه الإبادة في غزة، حيث بدأ جيل جديد من الأمريكيين – من المسلمين واليهود والسود واللاتينيين – يربط بين العدالة داخل الولايات المتحدة والعدالة للفلسطينيين. يشبّه الكاتب انتصار ممداني بانتصارات أخلاقية تاريخية نادرة، كتلك التي غيّرت مسار الصراع ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
كسر القواعد القديمة
يشير التحليل إلى أن فوز ممداني قلب المفاهيم السياسية الأمريكية رأساً على عقب. لعقود طويلة، خشي المرشحون من انتقاد إسرائيل خشية فقدان الدعم المالي والإعلامي، لكن ممداني واجه القاعدة نفسها بجرأة، معلناً أن “العدالة لا تتجزأ، ومن يطالب بحقوق الفلسطينيين لا يعادي اليهود”.
توضح الجارديان أن ممداني مثّل تياراً جديداً يربط قضايا العدالة الاجتماعية المحلية بالنضال العالمي ضد الاستعمار والتمييز، ويجسّد جيلاً يرفض الخطاب الأمريكي التقليدي حول “الاستثناء الأخلاقي” للولايات المتحدة.
خلفية المرشح ومسيرته
نشأ زهران ممداني في أسرة مهاجرة جمعت بين الثقافة الهندية والتجربة الأفريقية والتأثير العربي، ما منحه وعياً عالمياً نادراً في المشهد الأمريكي. درس الاقتصاد، ثم عمل منظماً مجتمعياً في أحياء كوينز الفقيرة قبل أن يدخل السياسة المحلية تحت راية “الديمقراطيين الاشتراكيين في أمريكا”.
وفي تقريرها الإخباري، وصفت لوسي كامبل فوزه بأنه “زلزال انتخابي” هزّ المؤسسة الحاكمة في نيويورك. ورأت أن فوزه يرمز إلى انزياح واضح داخل الحزب الديمقراطي نحو القضايا التقدمية مثل العدالة العرقية، والرعاية الصحية، والدفاع عن الفلسطينيين.
حملة واجهت كل شيء
خلال الحملة الانتخابية، شنّ خصوم ممداني هجوماً حاداً عليه، واتهموه بـ”التطرف” و”كراهية إسرائيل”. استخدمت وسائل إعلام يمينية عباراته القديمة عن “فلسطين الحرة” لتصويره كعدو لليهود، بينما ضخّت جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل ملايين الدولارات في حملة خصومه. لكن ممداني خاض المعركة بثقة، وجعل من حملته منصة لطرح الأسئلة الأخلاقية حول دور أمريكا في دعم الاحتلال والظلم.
يقول بيومي إن الانتصار تحقق لأن ممداني لم يحاول طمأنة خصومه، بل واجههم بالقيم التي يؤمن بها، مخاطباً ضمير الناس لا جيوبهم. كان شعاره “مدينة العدالة للجميع”، وربط بين الإسكان الميسور والتعليم والرعاية الصحية وحقوق الإنسان في غزة، باعتبارها وجوهاً مختلفة للعدالة نفسها.
انقسام داخل الجالية اليهودية
تكشف الجارديان أن فوز ممداني أحدث انقساماً حاداً داخل الجالية اليهودية في نيويورك. فبينما عبّر بعض الحاخامات المحافظين عن قلقهم من مواقفه “المعادية لإسرائيل”، رحّبت تيارات يهودية تقدمية بفوزه واعتبرته خطوة نحو “يهودية أكثر إنسانية”.
صرّحت منظمة “يهود من أجل العدالة الفلسطينية” بأن “انتخاب ممداني يفتح الباب لجيل يهودي جديد يرى العدالة للفلسطينيين امتداداً لقيمه الأخلاقية”. أما صحيفة جويش كرونيكل فوصفت الفوز بأنه “لحظة فاصلة تهدد بتغيير علاقة نيويورك بإسرائيل جذرياً”.
نيويورك تتغيّر
يرى محللون نقلت عنهم الجارديان أن ما حدث في نيويورك يعكس تحوّلاً عميقاً في المزاج العام الأمريكي. فالأجيال الشابة، وخاصة بعد مشاهد الحرب في غزة، لم تعد تقبل الرواية الرسمية التي تبرر الاحتلال تحت شعار “الدفاع عن النفس”. هذه الأجيال هي التي منحت ممداني فوزه، وصنعت لحظة سياسية جديدة تتجاوز الانتماءات العرقية والدينية.
أشارت كامبل إلى أن استطلاعات الرأي داخل الحزب الديمقراطي أظهرت لأول مرة تفوّق نسبة المؤيدين للفلسطينيين على المؤيدين لإسرائيل بين الناخبين الشباب، ما يفسّر قدرة مرشح تقدّمي مثله على الانتصار في مدينة معقّدة مثل نيويورك.
خطاب الفوز: العدالة أولاً
في أول خطاب له بعد إعلان النتائج، وقف ممداني أمام آلاف من مؤيديه قائلاً: “اليوم لم نفز على خصومنا فقط، بل على الخوف نفسه. لم نعد نخاف من قول الحقيقة: العدالة للفلسطينيين جزء من العدالة لكل إنسان”.
تعهد ببناء إدارة تُعيد توزيع موارد المدينة بعدل، وتحمي المهاجرين، وتواجه معاداة السامية بنفس القوة التي تواجه بها الإسلاموفوبيا والعنصرية ضد السود واللاتينيين. وأكد أن “الطريق نحو مدينة حرة يبدأ من الاعتراف بمعاناة الآخرين، سواء كانوا في برونكس أو في غزة”.
أثر يتجاوز نيويورك
اختتم بيومي مقاله في الجارديان بالتأكيد أن فوز ممداني لا يخص نيويورك وحدها، بل يعيد رسم حدود الخطاب السياسي في أمريكا. لقد سقط جدار الخوف الذي كان يمنع السياسيين من انتقاد إسرائيل، وبدأت مرحلة جديدة يملك فيها المرشحون الشجعان القدرة على الدفاع عن القيم الكونية للعدالة دون أن يدفعوا الثمن السياسي المعتاد.
يرى الكاتب أن الولايات المتحدة أمام لحظة اختبار أخلاقي كبرى: إما أن تواصل إنكارها للظلم الذي تشارك في تغذيته، أو أن تعترف بأن العدالة لا وطن لها. فممداني، في نهاية المطاف، لم يفز بمنصب فحسب، بل فتح باباً كانت المؤسسة الأمريكية تحرسه منذ عقود.
بهذا الانتصار، أعلن زهران ممداني بداية عصر سياسي جديد، لا يفصل بين حرية نيويورك وحرية غزة، بل يراهما وجهين لحلم إنساني واحد: أن يعيش الجميع بكرامة وعدل، مهما اختلفت أصولهم أو عقائدهم.
https://www.theguardian.com/us-news/2025/nov/04/zohran-mamdani-profile
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/nov/05/zohran-mamdani-values-new-york-city-mayor

